بما إننا نمر بمراحل
جديدة تبع احداها الأخرى ولكثرة المتصدين الذين لا يعلمون فن السياسة
الحقيقة ودرعها الواقي الذي تقي النفس الامارة بالسوء فأحببت أن ابحث في
كتب الشريعة الاسلامية وعلمائها ومفكريها لنستخلص بعض الاخلاقيات
والسلوكيات التي تنمي وتنجح عمل السياسي وتقيه كما قلت من آفة النفس
الأمارة بالسوء.
اذا
أردت أن تكون سياسياً ناجحاً فعليك ان تكون كالرعية أمام القانون وإن كنت
متهماً زوراً لكي يصبح الجميع سواسية أمام القانون وتكون قدوة للآخرين وحتى
يشعر المواطن أن هناك شيء يحميها ولا يتخيل أنه يعيش في غابة مليئة
بالوحوش يأكل القوي الضعيفَ وهذه السلوكية علمنا اياها أمير المؤمنين (عليه
السلام) حيث ادعى عليه مدعي فمثلا (امير المؤمنين والمشتكي) أمام القاضي
فقام القاضي بالحديث مع أمير المؤمنين (عليه السلام) بعبارة يا ابا الحسن
فكناه ولم يكني المشتكي فزجر أمير المؤمنين علي ابن ابي طالب (عليه السلام)
القاضي وقال له عليك أن تعدل بيننا فاذا كنيتني فكنَّي المشتكي ولا تفرق
بيننا.
اذا
اردت أن تكون سياسياً ناجحاً فاحذر من خفق النعل خلفك ولا تأتي بأعمال توحي
لنفسك أنك أعلى نفساً أو أفضل من غيرك لتكون بذلك تعطي درساً للجميع أن
الجميع كلهم خدمة لبعضهم بعضاً ولا يتسيد شخص على شخص ولا يتعالى لتكون
المحبة روابطها قوية لا يخلخلها أي مؤثر خارجي وهذه السلوكية علمنا اياها
كذلك أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث كان يسير في احدى ازقة الكوفة والقوم
تسير خلفه فالتفت اليهم وامرهم بالانصراف ولكن بقوا على تتبعهم لأمير
المؤمنين لأنهم يخافون عليه بسبب الفتن الموجودة كفتنة معاوية والمنافقين
وغيرهم والتربص لقتل أمير المؤمنين (عليه السلام) فالتفت أمير المؤمنين
(عليه السلام) إليه قائلاً: ان خفق النعل خلف قلوب النوكى(أي الحمقى) مفسدة
للقلب فأعطى درساً وسلوكية للأجيال القادمة بعده لأن هذا الفعل يسبب مفسدة
لقلوب الساسة الذين لم يصلوا الى مستويات الكمال العالية كما لدى الأنبياء
والأولياء (عليهم السلام).
اذا
اردت أن تكون سياسياً ناجحاً فعليك أن لا تركب وغيرك مترجلون كما يحدث الآن
في أغلب الدول لزعمائهم وساستهم حيث يستقل السيارة الحديثة والناس أو
الحميات تهرول خلفه وهذه السلوكية خاطئة وقد ركز عليها كذلك أمير المؤمنين
(عليه السلام) حيث كان ذات يوم راكباً فمشى اصحابه خلفه مترجلين فتوقف أمير
المؤمنين (عليه السلام) فقال لهم: الكم حاجة قالوا لا بل نجب ان نمشي خلفك
(أرادوا أن لا يبينوا أنهم يخافون عليه ولم يكذبوا كذلك بقولهم من محبتهم
للمشي معه ولكن كانوا يستطيعون أن يركبوا كذلك على دوابهم) فقال لهم
انصرفوا فمشى امير المؤمنين مستقلاً دابته وبقى اصحابه يمشون خلفه فالتفت
امير المؤمنين (عليه السلام) وقال لهم: مشي الماشي مع الراكب مفسدة للراكب
ومذلة للماشي. ويا لها من سلوكية يبينها أمير المؤمنين بتوصيف دقيق جداً
فيا لها من مذلة ويا لها من مفسدة.
اذا
اردت أن تكون سياسياً ناجحاً فتورع وازهد في ملذات الدنيا لكي لا تركن
إليها فتكون جل همك هي وهذه السلوكية علمنا اياها أحد تلامذة رسول الله
وأمير المؤمنين (عليهما وعلى آلهما السلام) ألا وهو سلمان المحمدي حيث جعله
الخليفة عمر ابن الخطاب (رضوان الله تعالى عنه) والياً على المدائن فلما
ذهب سلمان الى المدائن واستقبله الناس وهيأوا له قصر الوالي امتنع عن
الجلوس فيه فانبرى شخص قائلاً أن اعرف ماذا يريد سلمان فبنى له بيت صغيراً
متواضعاً من القصب بحيث اذا قام سلمان منتصباً سيضرب السقف برأسه واذا مد
جسمه مستقيماً في النوم سيضرب الجدران برجله وكان بالرغم من متابعته لامور
الأمة في تلك المنطقة فلم يكن يأكل إلا من كد يمينه فاكن راتبه الذي يأتي
من قبل الخليفة الذي هو من بيت مال المسلمين يقوم بانفاقه على المحتاجين
فكان يعمل بحمل الحطب وكذلك بعمل السلال من الخوص فكان مثالاً للسياسي
الاسلامي الذي تربى على يد اكبر مربيين في الاسلام حتى فاز بهذه المكانة
التي تمتع بها لدى الأمة وقبل الأمة تمتع بها مع رسول الله (صلى الله عليه
وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) حتى جاء علي ابن ابي طالب بطي الأرض
الى المدائن عندما توفي سلمان وقام بتغسيله ودفنه ولا ضير من أكمال القصة
التي تنفع المتصدين أو الذين يرمون التصدي للعمل السياسي أو أي عمل كان
فلما فرغ أمير المؤمنين (عليه السلام) من تجهيز سلمان ودفنه خاطب الناس من
له على سلمان دين؟ فقال رجل أنا فقال ما لك؟ فقال الرجل كنت اعطي لسلمان
قرصاً من الخبز في قبال أن يعمل لي سلة من الخوص وقد مات ولم يعملها لي
فدخل أمير المؤمنين إلى بيت سلمان فوجد نصف سلة فلما رفعها وجد تحتها نصف
قرص من الخبز فخرج أمير المؤمنين (عليه السلام) الى الناس وكبر قائلاً الله
أكبر هذا ما علمنا سلمان به. انظروا كيف أنه لا يأكل الا بمقدار ما يتم من
العمل لعطي درساً بليغاً لكل الأجيال وترجمان افعاله تتردد عبر أكثر من
ألف وثلاثمائة عام وهي تقول: لا تأكلوا إلا بمقدار عملكم.
وقد
يسأل سائل ويقول هذا شيء غير صحيح أو انه مثالي والراتب هو من استحقاقه
وانه بهذا العمل سيضيع هيبة هذه المهنة أو المنصب؟؟؟!!!
فأقول للسائل أن سلمان المحمدي قد اجاب على هذا التساؤل عندما بعث الخليفة
عمر بن الخطاب برسالة له يقول له بها ما مضمونها أن الأعمال التي تقوم بها
من حمل الحطب وغيره تسيء لمنصبك ووجاهتك اضافة للإسلام ويذكر فيها أنه لديه
راتباً يغنيه عن هذه الأعمال!
فكان
مضمون جوابه أنه لم يسعَ لكي يكون والياً على المدائن بل الخليفة نصبه
واليا لهذه المدينة وأنه يزهد بهذا المنصب وبين أنه يحب أن يكون مطبقاً لكل
ما علمه رسول الله (صلى الله عليه وآله) من خلال أقواله أو سيرته العملية
(صلى الله عليه وآله) حيث كان الرسول راعياً للغنم وكذلك الأنبياء الرسل
الذين سبقوه اضافة لنبوتهم ورسالتهم فكانوا يعملون في مهن متعددة لكي
يكونوا كباقي الناس يأكلون يوماً ويجعون يوماً آخراً ويواسون الناس ويشعرون
بآلامهم وآمالهم.
اذا
اردت أن تكون سياسياً ناجحاً فكن للفقراء محباً ومرافقاً واخترهم على أهل
الثورة والعدد وهذه السلوكية بينها لنا رسول الله (صلى الله عليه وآله)
وأمير المؤمنين والأئمة (عليهم السلام) ولكن احببت أن اذكر شهادة احد
الأئمة بحق سلمان المحمدي الذي هو تلميذ لهؤلاء العظام حيث روي عن منصور بن
بزرج قال قلت لأبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ما أكثر ما اسمع منك
سيدي ذكر سلمان الفارسي فقال: لا تقل سلمان الفارسي ولكن قل سلمان المحمدي
أتدري ما كثرة ذكري له؟ قال: لا، قال: لثلاث خلال إيثار هوى أمير المؤمنين
(عليه السلام) على هوى نفسه والثانية حبه للفقراء واختياره إياهم على أهل
الثورة والعدد والثالثة حبه للعلم والعلماء إن سلمان كان عبدا صالحاً
حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين.
اذا
أردت أن تكون سياسياً ناجحاً فلا تجب دعوة حضور الولائم التي يعدها
الأغنياء والذي يكون فيها الفقير مجفو والغني مدعو وخاصة الأغنياء الذين
ليس لديهم دين أو خلق وليس في اموالهم نصيب للسائل والمحروم لأن هذا الفعل
يؤدي إلى نتائج وأثار لدى الرعية كأن يقولوا: لو كان فقيراً هل أجاب دعوته
إضافة وضع النفس في موطن الشبهة والغيبة وكذلك هذه الولائم يراد من خلالها
منصب ووجاهة الشخص المدعو على شخصه ويراد من خلالها المصالح الشخصية لهؤلاء
الأغنياء الذين يسعون لقلب الحق باطل والباطل حق وتدر عليهم هذه الولائم
والعلاقات بالسياسي أو المسئول لغرض أخرى بعيدة عن مصلحة الرعية قطعاً.
وهذا
الدرس والسلوك استنبطناه من أمير المؤمنين (عليه السلام) حينما وبخ واليه
على البصرة عثمان بن حنيف عندما اجابة دعوة وليمة اقامها أحد فتية البصرة
حيث قال (عليه السلام): أما بعد يا ابن حُنيف فقد بلغني أن رجلاً من فتية
البصرة دعاك إلى مأدبة فأسرعت إليها تُستطاب لك الألوان وتُنقل الجٍفان وما
ظننت أنك تُجيب إلى طعام قوم عائلهم مجفو وغنيهم مدعو ................ألا
وان لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه ألا وإن إمامكم قد اكتفى
من دنياه بطمريه ومن طُعمه بقرصيه ألا وانكم لا تقدرون على ذلك ولكن
أعينوني بورع واجتهاد وعفة وسداد.
اذا
أردت أن تكون سياسياً ناجحاً فعليك أن لا تثأر وتقصي وتحرم كل من انتقدتك
أو لم يحبك مهما كان أساس هذا التصرف سواء كان بغضاً أو حقداً أو حسداً إلا
اذا كان الكلام مخلاً بأمن المواطن والدولة كالتحريض على العنف وغيره أما
اذا كان انتقاداً شخصياً فالعفو والاعراض أولى بالمتصدي وهذه السلوكية
سمعتها عن أمير المؤمنين (عليه السلام) حيث جاء رجلاً وقال لأمير المؤمنين
انه لا يحبه واخذ يتقول على أمير المؤمنين فقال له أمير المؤمنين ما مضمونه
إن خراجك جارٍ من بيت المال ولا ينقطع عنك وأنت في مأمن مني مادام
المسلمون بمأمن منك.
واكتفي بهذا القدر لاترك المشاركة مفتوحة لكي تضيفوا عليها من درركم أو
تصحيح الخطأ فيها ان وجد.